بحث هذه المدونة الإلكترونية

السبت

من هم عباد الله تعالى المخلصون الذين يعجز إبليس عن إغوائهم؟؟


بسم الله الرحمن الرحيم الحمدلله رب العالمين والصلاة والسلام على اشرف خلق الله سيدنا محمد وعلى اله وصحبه وسلم تسليما كثيرا

الإجابة لفضيلة الشيخ محمد متولي الشعراوي رحمة الله عليه

عباد الله المخلصون هم أولئك الذين ابتعدوا باختيارهم وحبهم لله عن كل ما يُغضب الله، واتبعوا باختيارهم وحبهم لله ما يرضيه - سبحانه -.

فالله لا يريد قوالب تخضع، ولكنه يريد قلوبًا تخشع بالحب، لأن إخضاع القالب يمكن أن يأتي بالرغم منك، فإذا أمسك إنسان كرباجًا وقال لك : افعل كذا، وقلت : لا، فسيضربك بقسوة، ويؤلمك الضرب، فيخضع قالبك. أي : خضع الظاهر منك وفعلت له ما يريد، ولكن هل تفعل هذا عن حب؟؟ هل تفعل هذا بإخلاص؟؟ هل تفعل هذا عن رغبة؟؟ لا. أنت تفعل وأنت مكره، الله - سبحانه وتعالى - وهو قادر على هذا لا يريد أن يكرهك، ولكنه يريد قلوبًا تخشع، أي يريدك أن تخشع من داخل قلبك، والقلب هو المنطقة الحرة التي خلقها الله في الإنسان، ولا تستطيع قوة في الأرض أن تجعلها مقهورة على شيء، فما في قلبك هو ملك خاص لك، ليس للعالم كله سلطان عليه، وقد يكرهك إنسان فتتظاهر له بالحب، ولكن قلبك يظل يكرهه ويرفضه، وقد تتظاهر لإنسان بالخضوع، ولكن قلبك يمقته، وفي نفس الوقت مهما فعلوا بك، ولو وضعوك في سجن تعذب فيه ليل نهار، ولو قطعوا جسدك فإنهم لن يستطيعوا أن يكرهوا قلبك على حب شيء تكرهه، أو كره شيء تحبه، بل تبقى هذه المنطقة حرة لا يتدخل فيها إنسان، ولا يستطيع إنسان أن يتدخل فيها، ولذلك قال الله - سبحانه وتعالى - ( إِلاَّ مَنْ أُكْرِهَ وَقَلْبُهُ مُطْمَئِنٌّ بِالإِيمَانِ ).

لماذا؟؟ لأن الإكراه في هذه الحالة يكون إكراهًا للقالب، وليس للقلب، والله - سبحانه وتعالى - لا يريد قوالب تخضع، ولكنه يريد قلوبًا تخشع، ولذلك ما دام القلب خاشعًا فالله راضٍ، حتى ولو أجبر الإنسان على غير ما في قلبه، ولذلك فقد أسقط - سبحانه - الحساب عن كل من أكره قالبه على شيء وقلبه يرفضه، فأنت إذا أمسكت عصًا غليظة، وأجبرت إنسانًا على الصلاة، وقلبه لا يريد الصلاة ويرفضها فلا صلاة له، وأنت إذا أكرهت إنسانًا على فعل منكر وقلبه يرفضه فلا حساب عليه، فالله يسقط عنه الحساب.

والله تعالى يقول : ( وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالإِنسَ إِلا لِيَعْبُدُونِ ). فالمهمة هنا أن يكونوا عبادًا لا عبيدًا، وأن يعبدوا الله - سبحانه وتعالى - عن محبوبية وخضوع، وأن يأتوا عن حب في كل ما يعملون؛ إذا عبدوا فعبادتهم عن حب، وإذا حكموا فحكمهم عن حب، وإذا باعوا وإذا اشتروا فكل ذلك في إطار إرضاء الله - تعالى -، في كل أمر من أمور الدنيا لا يشغلهم إلا ذلك الحب، فكل عمل يقومون به يبتغون منه رضا الله تعالى، ويسألون أين الرضا فيتبعونه، فلا يغش أحدهم في بيع، ولا يزور في عمل، ولا يزيف في شهادة.. وهكذا.

قال القاسمي في تفسيره : قال ابن إسحاق : إن المشركين عدَوْا على من أسلم واتبع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - من أصحابه. فوثبت كل قبيلة على من فيها من المسلمين، فجعلوا يحبسونهم ويعذبونهم بالضرب والجوع والعطش، وبرمضاء مكة إذا اشتد الحر. يفتنونهم عن دينهم. فمنهم من يفتتن من شدة البلاء الذي يصيبه. ومنهم من يصلب لهم ويعصمه الله منهم. وكان بلال - رضي الله عنه - عبدًا لبعض بني جُمح. يخرجه أمية بن خلف إذا حميت الظهيرة، فيطرحه على ظهره في بطحاء مكة. ثم يأمر بالصخرة العظيمة فتوضع على صدره. ثم يقول له : لا تزال هكذا حتى تموت أو تكفر بمحمد وتعبد اللات والعزى. فيقول وهو في ذلك البلاء : أحد. أحد، حتى اشتراه أبو بكر وأعتقه.

وكانت بنو مخزوم يخرجون بعمار بن ياسر وبأبيه وأمه - رضي الله عنهم - إذا حميت الظهيرة يعذبونهم برمضاء مكة. فيمر بهم رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، فيقول : " صبرًا آل ياسر، موعدكم الجنة " فأما أمه فقتلوها وهي تأبى إلا الإسلام.

قال سعيد بن جبير : قلت لابن عباس : أكان المشركون يبلغون من أصحاب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - من العذاب ما يعذرون به في ترك دينهم؟؟ قال : نعم.. والله إن كانوا ليضربون أحدهم ويجيعونه ويعطشونه، حتى ما يقدر على أن يستوي جالسًا من شدة الضر الذي نزل به، حتى يعطيهم ما سألوه من الفتنة. حتى يقولوا له : اللات والعزى إلهك من دون الله؟؟ فيقول : نعم. حتى إن الجعل ليمر بهم فيقولون له : هذا الجعل إلهك من دون الله؟؟ فيقول : نعم.. نعم، افتداءً منهم مما يبلغون من جهده. وقد ذكر ابن هشام في ( السيرة ) في بحث ( عدوان المشركين على المستضعفين ممن أسلم بالأذى والفتنة ) غرائب في هذا الباب فانظره.

قال ابن كثير : ولهذا اتفق العلماء على أن المكره على الكفر يجوز له أن يوالي إبقاءً لمهجته. ويجوز له أن يأبى كما كان بلال - رضي الله عنه - يأبى عليهم، وهم يفعلون به الأفاعيل، وهو يقول : أحد.. أحد. ويقول : والله لو أعلم كلمة أغيظ لكم منها لقلتها، رضي الله عنه وأرضاه. وكذلك حبيب بن زيد الأنصاري، لما قال له مسيلمة الكذاب : أتشهد أن محمداً رسول الله؟؟ فيقول : نعم. فيقول : أتشهد أني رسول الله؟؟ فيقول : لا أسمع. فلم يزل يقطعه إربًا إربًا وهو ثابت على ذلك.

وروى الحافظ ابن عساكر في ترجمة عبد الله بن حذافة السهمي أحد الصحابة أنه أسرته الروم. فجاءوا به إلى ملكهم. فقال له : تنصَّرْ وأنا أشركك في ملكي وأزوجك ابنتي. فقال له : لو أعطيتني جميع ما تملِك وجميع ما تملكه العرب على أن أرجع عن دين محمد - صلى الله عليه وسلم - طرفة عين ما فعلت. فقال : إذاً أقتلك. فقال : أنت وذاك. فأمر به فصلب. وأمر الرماة فرموه قريبًا من يديه ورجليه وهو يعرض عليه دين النصرانية فيأبى. ثم أمر به فأنزل. ثم أمر بقدر فأحميت. وجاء بأسير من المسلمين فألقاه وهو ينظر، فإذا هو عظام تلوح. وعرض عليه فأبى. فأمر به أن يلقى فيها. فرفع بالبكرة ليلقى فيها فبكى. فطمع فيه ودعاه فقال : إني إنما بكيت لأن نفسي إنما هي نفس واحدة تلقى في هذا القدر الساعة. فأحببت أن يكون لي بعدد كل شعرة في جسدي نفس تعذب هذا العذاب في الله.

وفي بعض الروايات أنه سجنه ومنعه الطعام والشراب أيامًا، ثم أرسل إليه بخمر ولحم خنزير فلم يقربه، ثم استدعاه فقال : ما منعك أن تأكل؟؟ فقال : أما هو فقد حل لي، ولكن لم أكن لأشمتك فيَّ. فقال له الملك : فقبل رأسي وأنا أطلقك وأطلق جميع أسارى المسلمين. قال عمر بن الخطاب : حق على كل مسلم أن يقبل رأس عبد الله بن حذافة، وأنا أبدأ. فقام فقبل رأسه.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق