بحث هذه المدونة الإلكترونية

الثلاثاء

الصهيونية: المفاهيم الأساسية





هل ما زلنا نحن العرب، بحاجة إلى الحديث عن المفاهيم الأساسية للصهيونية؟‏
إن ذلك ضروري لثلاثة أسباب:‏
الأول : لأننا نحن العرب لم نُعْنَ بدراسة الصهيونية دراسة معمقة، ولم نعْطَها حقها من الاهتمام، منذ نشأ المشروع الصهيوني، حتى الآن.‏
ولقد اهتممنا نسبياً بالجوانب التالية، عند دراسة الصهيونية:‏
أ- تاريخها ومؤسسيها وأحزابها وتياراتها.‏
ب- علاقاتها الدولية.‏
ج- أخطارها على وطننا(1) .‏
وكان معظم هذا التناول سريعاً، ولا يرقى إلى مستوى الدراسة أو التأريخ. وهو لا يقارن بمستوى الدراسات الأجنبية، بأية حال، في هذه الميادين المشار إليها(2).‏
الثاني : لأن الصهيونية، التي كانت فكرة في النصف الأخير من القرن الماضي، وصارت مشروعاً، ما بين 1897- 1917، تحوّلت إلى مشروع دولي سنة 1917 بإعلان وعد بلفور، ثم إلى برنامج دولي، عندما ألحق وعد بلفور بصك الانتداب على فلسطين(3) . وما لبث هذا المشروع أن تحوّل إلى دولة، سنة 1948، تهاجم الدول العربية المجاورة، وتعمل على احتلال أراضيها.‏
ولقد أصبح الخطر الصهيوني الآن أكبر منه في أي وقت مضى..‏
وهو ما يجعلنا الآن، وفي عملية المواجهة الشاملة مضطرين للدراسة المعمقة كما لم نكن من قبل.‏
الثالث : لأن الصهيونية، بما تجمعه من الأسطوري والواقعي، ومن حديث الخرافة، وحديث القوة، ومن حديث الدين وحديث الدنيا، ومن أسلوب التوراة إلى أسلوب العلم الحديث، تجعلنا بحاجة إلى دراسة معمقة لها، من حيث أهدافها وأفكارها ومفاهيمها. لأننا إن لم ندرس كل ذلك، لا نستطيع تحديد طبيعتها وأسلوب التعامل معها.‏
والذين دعوننا إلى السلام مع الصهيونية، لا يستطيعون توجيه هذه الدعوة إلينا، لو كانوا يعتقدون بأننا ندرك طبيعتها جيداً.‏
وسيكون حديثي اليوم حول: "الصهيونية- المفاهيم الأساسية". فهل يعني هذا أننا لا نعرف هذه المفاهيم؟.‏
لقد تحدث كتابنا ومؤرخونا في الصهيونية، وتاريخها ومفاهيمها.؛ وصدرت كتب كثيرة في هذه الميادين، اختلفت مستوياتها. ولكن المفاهيم الأساسية ظلت مُبعثرة بين السطور. وليس هناك كتاب أو دراسة واحد تبحث في المفاهيم، فيما قرأنا(4).‏
ولما كان الخطر الصهيوني يتفاقم، والدراسات تتعدد وتتكاثر، وحديث الاتجاهات يتزايد، بات من الضروري أن نتحدث في المفاهيم الأساسية حديثاً مركزاً. لأن تناول المفاهيم الأساسية يقربنا من فهم الصهيونية، ولأنه يضعنا أمام أطروحاتها، بلا كثير من الشرح والتطويل والتعقيد. وإن كانت هذه الحاجة، لا تنفي ضرورة الأبحاث والدراسات المتخصصة والشاملة والمعمقة أبداً.‏
والمفهوم، كما يقول التعريف المعجمي: "تنعكس فيه صفات الموضوع الجوهرية، دون العرضية والثانوية" (المعجم الفلسفي المختصر. دار التقدم. موسكو 1986، ص129). "وتكمن قيمة المفهوم المعرفية"، كما يقول المعجم: "في أنه يساعد على إبراز ما هو هام وعام في الشيء (من الصفات والمؤشرات وغيرها)، بصورة مجردة عن الفردي والجزئي.." (ص470).‏
ولذلك، فإن هذه الدراسة لا تتناول تاريخ الصهيونية، ولا خلافاتها واتجاهاتها ومدارسها، ولا تعنى بأية تفاصيل، قد تبدو ضرورية لقارىء متابع أو مختص. ولكنها تشدد على المبادىء التي انطلقت منها الصهيونية، والمفاهيم التي بلورتها، خلال المائة العام الماضية؛ وبنت سياساتها وبرامجها عليها.‏
وتتلخص المفاهيم الأساسية، في التالي:‏
أولاً: إن اليهود شعب- أمة، ومن اعتبار اليهود المشتتين في كل أنحاء العالم، أصحاب الثقافات المختلفة من اليهودي العربي: اليمني، أو العراقي، أو السوري والمغربي، وكل هؤلاء يتكلم العربية، ويعيش الثقافة العربية وما زال كما كان، إلى اليهودي الفرنسي والبريطاني والروسي والبولندي الخ.. الذين يتكلمون لغات مختلفة، ويعيشون ثقافات مختلفة.‏
ولقد اعتبرت الصهيونية هؤلاء جميعاً شعباً واحداً.. أمة واحدة. وعن هؤلاء تكلم الحاخام يهودا القالي (1798- 1878).‏
RABBIYE HUDAH ALkALI
قائلاً: "نحن كشعب.."(5) .وعن هؤلاء قال موسى هيس (1912- 1875)‏
MOSES HESS: "عدت إلى شعبي بعد عشرين سنة من الابتعاد"(6). ويرى هيس أن يهود الشتات قومية. وهو لا يدين تنكر اليهودي المشار إليه لقوميته فقط، بل يرى أنه: "ليس هناك ما يستطيع إعادة العبقرية الدينية إلى اليهود، إلا نهضة قومية تماماً، مثل العملاق الأسطوري الذي أعاد الحياة إلى الأرض من جديد، ورفع بلمسة من روحها إلى مستوى الوحي النبوي". ويضيف هيس: "لقد كانت هناك وحدة أساسية بين اليهود، حتى بين أولئك المشتتين في أصقاع الأرض. حافظ اليهود على العلاقة مع مراكزهم الدينية حيثما كانت. وليس هناك أمة تأثرت بأي حركة روحية، كما تأثر اليهود"(7). وهؤلاء هم الذين دعاهم ثيودور هرتزل (1860- 1904) (Benjaminze1ev) Theodor Herzl إلى تبني فكرة: "بعث الدولة اليهودية"(8) وظل هذا المفهوم سائداً، منذ مؤتمر بال (1897) حتى الآن.‏
وظل مفهوم "الشعب اليهودي" الذي يعتبر: "بأن الأقليات اليهودية في العالم لا تشكل أقليات دينية، ذات انتماءات عرقية وقومية مختلفة، إنما تشكل أمة متكاملة، توجد في الشتات، أو المنفى بعيدة عن وطنها الحقيقي: أرض الميعاد، أو صهيون، أي فلسطين"(9). مفهوماً تجمع عليه الاتجاهات الصهيونية المختلفة ومما تجدر الإشارة إليه، هو أن هذا المفهوم غير علمي. وهو متناقض مع التعريف العلمي للأمة؛ رغم أي اختلاف حوله. فالأمة جماعة من الناس، تكونت تاريخياً. "أما المؤشرات الرئيسية للأمة، فهي وحدة الروابط الاقتصادية والأرض واللغة"(10) .‏
ولكن الحركة الصهيونية، لا يهمها احترام المفاهيم العلمية، ومنها مفهوم الأمة. ولذلك اخترعت المفهوم الصهيوني الخاص للأمة، القائم على وحدة الدين فقط. ورغم ذلك، فان الحركة الصهيونية أصرت على إعطاء الجامع الديني طابعاً قومياً، وأصرت على إسقاط عامل اللغة من الحساب. وحين افتقدت إلى عامل الأرض، وهو ما سنتحدث عنه، في فقرات لاحقة، اعتبرت أن هناك أرضاً تنتظر الصهيونيين منذ ألفي عام.‏
صار المطلوب لتحقيق هذا المفهوم: "الشعب اليهودي" ما يلي:‏
1- إسقاط مفهوم الأمة المعاصر، وتكريس مفهوم آخر، يعتبر اليهود شعباً أينما كانوا، وسواء قبل قيام دولتهم، أو بعد ذلك، وبدون الأرض واللغة والروابط المشتركة، وانطلاقاً من أنهم كانوا شعباً قبل ألفي عام.‏
2- انتزاع كل يهودي من بيئته، سواء بنقله إلى "أرض الميعاد"، أو ببقائه، حيث هو، وربطه بدولة صهيون؛ وبرنامجها وسياساتها.‏
3- طرد سكان: "أرض الميعاد"، لتصبح خالية، ولتقام "دولة إسرائيل" فيها.‏
وأدى ذلك إلى "خلع اليهودي" من بيئته، وتحويله إلى منفيِّ في أرض جديدة، هي واقعياً ليست أرضه، كما أدى إلى خلع العربي من أرضه، وتحويله إلى "لاجىء" وهكذا انتقل اليهودي إلى منفى، وإلى بيئة معادية، ووجد العربي صاحب الأرض نفسه طريداً، ومعادياً لهذا المغتصب الذي يحتل أرضه. وإذا كانت الحركة الصهيونية، تبحث لليهودي عن طريق لانتهاء المنفى، ومكان لانتهاء الاضطهاد، فان إقامة دولة في "أرض الميعاد"، لم تنهِ النفي، إذ زادت المنافي واحداً، ولم تنه الاضطهاد، لأنها لم تجعل اليهود في الدولة موضع مقاومة فقط، بل جعلت كل يهودي ملتزماً بالصراع في خدمة هذه الدولة، وبدخول معادلاتها وإشكالاتها. فهو مطالب بالتبرع لها، والدفاع عنها، والتجسس لحسابها، والانتقال للقتال في صفوف قواتها، خلال أي خطر أو حرب.‏
فهل يعني قيام ما يسمى: "دولة إسرائيل" قيام "شعب- أمة إسرائيل"؟‏
إن كاتباً بريطانياً، يجيب على هذا السؤال بالجواب التالي: "لقد كان هنالك إنجاز ثقافي، لا بخلق أمة جديدة، وشعب جديد، ولكن أيضاً بخلق ثقافة جديدة ولغة جديدة"(11) . فهل نستطيع أن نؤيد الكاتب في ذلك؟‏
إن ولادة شعب، لا تتقرر بقرار عسكري. سياسي، ولا باحتلال أراضي آخرين. إنها عملية تاريخية طويلة، وهو ما أكده تاريخ نشوء الأمم. وإذا استثنينا تجربة كالولايات المتحدة الأميركية، حيث أبيد معظم السكان الأصليين، وحل أوروبيون مكانهم بالأساس، ثم جاءت جاليات أخرى، وما زالت عملية التكون متواصلة، فان الخروج على هذه القاعدة، لا يؤكده تاريخ الأمم القائمة.‏
فهل تكون التجربة الصهيونية استثناء جديداً؟‏
إنها غير قادرة أن تكون للأسباب التالية:‏
1- إن التجربة الصهيونية تجربة استعمار استيطاني، وهي ككل تجارب الاستعمار الاستيطاني في العالم القديم غير مؤهلة للبقاء، إذ إن كل تجارب هذا الاستيطان قد هزمت. وإذا كان الكنعانيون لم يستطيعوا البقاء في اسبانيا وإيطاليا، قبل الميلاد، والعرب لم يستطيعوا البقاء في اسبانيا، بعد الميلاد، فان الرومان واليونان لم يستطيعوا أن يبقوا في الوطن العربي، لا قبل الإسلام ولا بعده. وكذلك هي حال الأوربيين في آسيا وإفريقيا. فما الذي يبرر بقاء الاستعمار الاستيطاني الصهيوني؟‏
2- إن اليهود الذي جاءوا فلسطين، واستوطنوها، ليسوا كل اليهود في العالم. فما زال الشتات قائماً. وفي الولايات المتحدة الأميركية من اليهود أكثر مما في فلسطين، فكيف يمكن أن نعتبر المستوطنين في فلسطين أمة، مع اليهود المقيمين في كل أنحاء العالم، والذين يعيشون في بلدان مختلفة، ويشاركون في الحكم، لا في مجالس النواب والشيوخ والبلديات فقط، بل في الوزارات، كما هي حال الولايات المتحدة اليوم. فكيف تقوم أمة، في جزء منها، على أرض محتلة، ويظل أغلبها، على أرضٍ أخرى؟.‏
إنه نوع جديد من "الأمم"، على كل حال، يتكون بقرار سياسي عسكري، ويترك الأكثرية في الشتات، ليقيم دولة للأقلية في أرض محتلة. ورغم ذلك فان الحركة الصهيونية، تجعل من كل اليهود أمة، وتطالب العالم باعتراف كامل بذلك؟ وتعطي أي يهودي، وأينما كان "الجنسية الإسرائيلية".‏
وهناك أشكال من الاعتراف، تجعل حكومة كحكومة الولايات المتحدة الأميركية، وغيرها من الحكومات الأوروبية، تعتبر الأمر طبيعياً، حتى عندما يكون اليهودي ضابطاً أو وزيراً في بلده الأصلي. ولكن كل أشكال الاعتراف هذه لا تجعل اليهود أمة.‏
3- إن الذين يجعلون اليهود أمة، يعتبرون أن وجود: "سكان غير يهود يبلغون تقريباً مليونين ونصفاً: منهم حوالي مليون عربي فلسطيني، من كل من المسلمين والمسيحيين، إلى جانب الدروز، في إسرائيل قبل 1967، وحوالي مليون ونصف آخرين من العرب في المناطق. وهي المشكلة الأكثر تعقيداً، من كل الزوايا، التي تواجه الدولة اليهودية. والتي حاول هرتزل وكثير من خلفائه أن يتجاهلوها، أو يتمنوا أن تكون بعيدة"(12) .‏
ولكن هؤلاء جميعاً لا يعتبرون مشكلة الاستيطان الصهيوني مع الأمة العربية والعالم الإسلامي؛ وهم بذلك، يعتبرون الفلسطينيين أمة قائمة بذاتها صغيرة ومنسية، ولا يرون الجولان وجنوب لبنان، ولا ما تمثله تجربة الاستعمار الاستيطاني من خطر على الأمة العربية كلها. كما أنهم يحاولون ألا يروا موقف الأمة العربية والعالم الإسلامي من "الدولة الصهيونية: إسرائيل".‏
وهكذا، وبهذه الأسانيد غير العلمية، والمتناقضة مع كل مفاهيم الاجتماع السياسي، يصبح اليهود، أينما كانوا شعباً، وهم، قبل ذلك، وحسب التوراة "شعب الله المختار".‏
والمهم أن الحكومات "العلمانية"، التي حاربت سلطة الكنيسة، وطوّرت مفاهيم مدنية للمجتمع ومنظريها العلمانيين، والكنائس المسيحية الغربية، تتبنى هذه المفاهيم، وتدعم الدولة التي قامت على أساسها: "دولة إسرائيل"، وكما جاء في التوراة: "ولولوا يا سكان مكتيش لأن كل شعب كنعان باد" (ضعينا الأَصحاح الأول 11"، فان العالم يجب أن يصدق أن شعب فلسطين باد والعرب بادوا، لأن التوراة تقول ذلك.‏
ثانياً: أن أرض الأمة، هي أرض الميعاد. وهي الأرض التي منحها الله لليهود. وهنا تزودنا التوراة بمادة دسمة (13) ، كما يزودنا منظروا الحركة الصهيونية بمادة لا تقل دسامة. فالحاخام يهوذا القالي الذي أشرنا إليه، يقول: "نحن كشعب، يليق بنا أن نلقب بإسرائيل فقط، إذا كنا في أرض إسرائيل". ويضيف الحاخام يهوذا، "ذكر في الفتح الأول أن الله أحضر بني إسرائيل تحت إمرة يشوع للأرض التي كانت معدة لهم، كانت بيوتها عندئذٍ مليئة بالأشياء المفيدة، فآبارها كانت تعطي الماء، وكرومها وغابات زيتونها كانت محملة بالأثمار.." ويُسمي الحاخام يهوذا الأرض "ارث آبائنا"(14) .‏
الأرض، إذن، موجودة وهي مسجلة ملكاً لبني إسرائيل إينما كانوا، في "السجل العقاري الإلهي". ومن حقهم لبني إسرائيل إينما كانوا، في "السجل العقاري الإلهي". ومن حقهم أن يعودوا، متى شاؤوا لأن "حجة" الأرض معهم، وهي موثقة في توراتهم.‏
ولقد أعطوا الأرض، وخرجوا، أو أخرجوا منها. جاءوا من أور، وإذ بهم في مصر، وجاء بهم موسى إلى أرض الميعاد، فأخذهم البابليون مسبيين إلى بابل، سنة 587 ق.م. ثم أعادهم الفتح الفارسي لبابل إلى فلسطين، ليعيدوا بناء الهيكل، فقاومهم أهل الأرض، هكذا يقول دعاة العودة، وهكذا تقول التوراة(15).‏
غير أن علم الآثار والأناسة، يقول غير ذلك. وها هو توماس ل. تومسن، عالم الآثار الأميركي الكبير، يهدم أساس الرواية، ويثبت أن الهجرة من مصر لم تكن، وأن اليهود لم يسكنوا فلسطين، قبل الغزو الفارسي، وأن مملكة داود وسليمان لم تقم، وأن أي وجود عبري سكاني أو لغوي في فلسطين لم يثبته علم الآثار أو علم الأناسة.‏
ويؤكد توماس ل. تومسون بأنه كان من عادة الفرس، أن ينقلوا جماعات، ويسكنوها في الأراضي التي يحتلونها، لتكون أدواتهم في حكم الأراضي المحتلة وأن اليهود كانوا من هؤلاء، وليسوا الذين سباهم نبوخذ نصر(16) . وهذا ما يؤكده التاريخ، وما نص عليه معجم العين، حين بحث كلمة وضع، ووصل إلى كلمة وضيعة (17) المشتقة منها؛ وإن كان الخليل لم يذكر اليهود هنا.‏
وهنا لم يهنأ اليهود، لأن شعب الأرض قاومهم، ولأن بني آرام تكاثروا في الأرض، كما تقول التوراة.‏
وقام الرومان بتصفية هذه الوضيعة نهائياً، سنة 133- 135م.‏
ورغم ذلك، فان أرض الميعاد، بقيت مسجلة في السجل العقاري الإلهي ملكا لبني إسرائيل. وحين بعثت الصهيونية، في أواخر القرن الثامن عشر، وأوائل القرن التاسع عشر، على أيدي القوى الاستعمارية، من غير اليهود، ظلت ملكية أرض الميعاد "لبني إسرائيل وكان: "كل شيء يجري، وكأن بالإمكان إبراز "صك " موقع من الله، يُبرر حق نزع ملكية الأرض من كل شاغل لها"(18) .‏
ولقد جرى الحديث عن مشروع نابليون الأول وعن ندائه. وهو يتوجه من مصر إلى فلسطين لليهود، كما جرت الإشارة إلى كتاب آرنست لاهاران ERNEST LA HARAN المعنون: "المسألة الشرقية الجديدة". ولاهاران هذا سكرتير الامبراطور نابليون الثالث، وقد نشر كتابه سنة 1860(19) وهناك قيادات دينية وسياسية أخرى غير يهودية(20) . أسهمت في بعث الحركة الصهيونية وكان من أبرز هؤلاء سلاح الهندسة الملكي البريطاني (Royal ).
وفي هذا الجو استيقظت الصهيونية اليهودية.‏
ولم تكن الجملة المشهورة: "أرض بلا شعب لشعب بلا أرض اختراعاً يهودياً. إنها من اختراع لورد آشلي، أطلقها في رسالة إلى بالمرستون، وزير خارجية بريطانية، ثم رئيس وزرائها، كتب اللورد آشلي، سنة 1840، "هناك أرض (وطن) بدون شعب، وأرشدنا الله في حكمته ورحمته إلى شعب بدون أرض (وطن)، شعبه الخاص الذي أحبه يوماً، كلا بل الذي ما زال يحبه، أبناء إبراهيم واسحق ويعقوب"(21).‏

ومن الضروري هنا أن نبين أن الصهيونية غير اليهودية، والصهيونية اليهودية، تواطئت على ما يلي:‏
1- أن هناك أرضاً اسمها أرض الميعاد، وأن الله أعطاها إرثاً لليهود، وأن هذا الوعد الإلهي، ليس أسطورة، بل حقيقة، يجب أن يأخذُ العالم بها.‏
2- أنّ هذه الأرض بلا شعب، وأن اليهود شعب بلا أرض؛ وعليه، فان اليهود ذاهبون إلى أرض خلاء. ولم يكن منظرو الصهيونية عاجزين عن رؤية شعب الأرض. ولكنها الرؤية الاستعمارية الاستيطانية التي ترى الأرض خالية، لتبرر استيطانها، ولذلك، ظلت الأرض خالية في نظر هؤلاء، حتى بعد أن انفجرت المقاومة، لا في فلسطين فقط، بل في الوطن العربي كله، وقامت جيوش عربية بمقاتلة الصهيونيين المدعومين أوروبياً وأميركياً.‏
ويزيد الأمر غرابة، عندما نجد أن هاتين الأطروحتين، لم يؤيدهما الكهنة والحاخامات فقط، بل والساسة والعلماء، من العلمانيين اليهود وغير اليهود.‏
ولذلك، فان الاحتلال الصهيوني قائم، منذ حوالي خمسين عاماً، بدعم دولي، وما زال. والاستيطان مستمر، منذ أكثر من مائة عام، وهو مستمر، والمقاومة مستمرة، منذ بدء الاستيطان السياسي، في بدايات ثمانينات القرن الماضي، ورغم ذلك، فان الأرض ما زالت خلاء، وما زال رأس المال الغربي، أميركي وغير أميركي، اليهودي وغير اليهودي، يُموِّل عملية العدوان والاستيطان(22).‏
إن الاستعماري الاستيطاني، يتغطى هنا بالقناع التوراتي، ليفرض عملية استيطان كبرى، يراد لها أن تكون نموذجاً لاستيطان أميركا الشمالية.‏
إن هذه الهبة الإلهية لإسرائيل، بامتلاك أرض الميعاد، يستخدمها دهاقنة الاستعمار الاستيطاني مؤمنين وغير مؤمنين لبناء قاعدة استيطانية ذات أهداف عدوانية وتوسعية في هذا الركن الاستراتيجي من الوطن العربي، والعالم.‏
ويبدو العالم، مخترع الذرة، ومطلق ثورة الاتصالات مؤيداً لهذه الأسطورة، ومنسجماً معها إلى أبعد الحدود؛ حتى أن الاتحاد السوفياتي الاشتراكي، لم نجد مانعاً من الاعتراف بـ: "دولة إسرائيل"، وكذلك حكومة الصين الشعبية التي اعترفت مؤخراً.‏
وهذا ما يدعونا إلى إطلاق أطروحتين:‏
الأولى : أن ما يجري، وإن كان يلبس لباس الصهيونية والتوراة وأرض الميعاد، ليس يهودياً فقط، وليس صهيونياً فحسب؛ إنه جزء من تجربة الاستعمار الاستيطاني التي أطلقتها الرأسمالية الأوروبية، منذ القرن السادس عشر.‏
الثانية : أن العالم الذي يدعم فكرة "بناء إسرائيل"، ويدعم الآن استمرار وجود: "دولة إسرائيل" قوية متفوقة، يتحمل مسؤولية ما يجري.‏
إن اعتبار أرض الميعاد أرض المستوطنين اليهود، القادمين، من كل الأرجاء والأنحاء، اعتماداً على أساطير التوراة، من أكبر مهازل القرن العشرين، ومن أكثر الاختراقات وقاحة، لكل ما سجله الإنسان من تقدم في ميدان الحقوق المدنية والدستورية.‏
وهو أكبر من جرائم النازية، لأنه يُكرِّس مفاهيم الاستعمار والاستيطان، باسم الدين.‏
الثالث: أن عودة "الشعب المختار" إلى "أرض الميعاد" قضية لا تتحقق دون التزام قوة إمبريالية بها.‏
وهذه ليست فكرة أصحاب فكرة استخدام اليهود، في مشروع استعماري استيطاني فقط، كما هي الحال مع نابليون الأول، أو بالمرستون، إنها فكرة المنظرين الصهيونيين الذي تحمسوا لفكرة العودة، ولمشروع استيطان فلسطين.‏
وقد أوضح هذا الموقف الحاخام زفي هيرش كاليشر (1795- 1874) في نص كتبه، سنة 1862، بعنوان "السعي لصهيون"، حين قال: "عزيزي القارىء! القِ جانباً الفكرة التقليدية القائلة.. بأن المسيح المنتظر، سينفخ بالبوق العظيم، فترتعد منه كل الأرض. بل على العكس، فالخلاص سيبدأ بمساندة المحسنين، وبكسب موافقة الأمم على لم شمل بعض الإسرائيليين في الأرض المقدسة"(23) .‏
أما موزيس هيس، فيقول: "ستكون فرنسة، صديقتنا الحبيبة، المخلص الذي سيعيد لشعبنا مكانته في التاريخ العالمي"(24) .‏
وقد عبر قادة الحركة الصهيونية بأشكال مختلفة عن هذا الموقف، فعندما كتب هرتزل رسالته إلى سيسيل رودوس، مؤسس روديسيا، قال هرتزل: "وإذا ما سألتني عن سبب توجهي إليك بهذا الطلب، فأقول لك يا سيد رودوس: لأن مشروعي هو مشروع استعماري"(25) وكتب هرتزل في مذكراته: "إنجلترا، إنجلترا العظيمة، إنجلترا الحرة، إنجلترا سيدة البحار، سوف تتفهم أهدافنا، ولنتأكد أن الفكرة الصهيونية، سوف تنطلق في طيرانها من هنا، محلقة إلى أجواء أعلى وأبعد"(26) . وقد "فهم هرتزل" كما يقول ليني برنر: إن اليهود ليس لديهم القوة لخلق دولتهم الخاصة، وأنها يمكن أن تبدأ، على أنها مستعمرة لإمبراطورية من الإمبراطوريات"(27) .‏
وقد ظل قادة الحركة الصهيونية حريصين على تأمين الحماية الدولية. فحصلوا على وعد بلفور، سنة 1917، وضمّنوه صك الانتداب، فيما بعد، ومنذ قيام "دولة إسرائيل"، وهناك حرص على التحالف والتكامل مع القوى الإمبريالية، سواء مع بريطانيا وفرنسا، قبل 1967، أو مع الولايات المتحدة الأميركية، منذ 1967.‏
واليوم تطالب: "حكومة إسرائيل" العالم بكل شيء، المال، السلاح، التكنولوجيا، فتح الأسواق، بلا حساب، محاصرة العرب وضربهم، والحماية الشاملة، من كل خطر قد يهدد: "دولة إسرائيل". وكان آرئيل شارون قد ذكر ذلك في محاضرة له: "لنا حق مطالبة العالم بكل شىء.. ونحن كيهود لسنا مدينين لأحد، إن الآخرين هم المدنيون لنا"(28). وهذا ما تفعله "حكومة إسرائيل" دائماً.‏
ويعرف العالم الآن مدى الدعم الذي تقدمه حكومة الولايات المتحدة الأميركية لـ: "حكومة إسرائيل"، سواء على الصعيد المالي والعسكري، أو على الصعيد التقني والاقتصادي، أو على صعيد الحماية السياسية والعسكرية.‏
إن الحماية الدولية لم تحقق لـ: "حكومة إسرائيل"، كما هي اليوم؛ في ظل الرعاية الأميركية، والراعي الأميركي.‏
ورغم ذلك، فإن "حكومة إسرائيل" الحريصة على المضي قدماً، في عملية الارتباط الشامل بالرأسمالية العالمية. والإمبريالية العالمية، بقيادة الولايات المتحدة، تصر على المضي قدماً في محاربة العرب، وإخضاعهم، وتحويل أرضهم إلى أرض خراب؛ واستقدام المزيد من المهاجرين، وتكديس المزيد من الأسلحة، وامتلاك أسلحة نووية وكيمياوية وجرثومية الخ..‏
إن "الوضيعة"، كما يسميها الخليل بن أحمد، التي وضعها الفرس يوماً في فلسطين، تحميها حكومة الولايات المتحدة الأميركية اليوم.‏
رابعاً: مفهوم القوة . إن دعوة التوراة تقوم على القتل والحرق والاستعباد. والتوراة، بالنسبة لـ لدولة "إسرائيل" أساس الوجود.‏
- "وقود، رائحة سرور للرب" (اللاويين 1- 4، 13، 17).‏
- " أحرقوا جميع مدنهم بمساكنهم وجميع حصونهم بالنار" (العدد 31، 10).‏
- " اقتلوا كل ذكر من الأطفال وكل امرأة " (العدد 21، 7).‏
- "احرقوا حتى بنيهم وبناتهم بالنار" (التثنية 12، 31) (29).‏
ويمكن إيراد الكثير من الأمثلة على ذلك؛ سنذكر اثنين إضافيين منها.‏
الأول: "إن المدن العائدة لهذه الشعوب والتي وهبك الله إياها، عليك ألا تبقي كل كائن حي فيها. سوف تقضي على الحثيين والعموريين والكنعانيين والبيرزيتين واليبوسيين كما أمرك الله" (التثنية 20- 16-17).‏
الثاني: "اذهب الآن إذن، واضرب العمالقة، واقضي على كل مملكتهم، لا تترك منهم أحداً. اقتل الجميع من رجال ونساء وأطفال ورضّع، وكذلك البقر والغنم والجمال والحمير"(صموئيل 15-3)(30) .‏
إن هذه الأوامر التي يقرؤها كل يهودي في توراته، التي يعتبرها دستوره الإلهي، تجعلنا نفهم العنف الذي مارسته العصابات الصهونية، قبل قيام الدولة، والتي تمارسه "حكومات إسرائيل" المتعاقبة.‏
ولذلك يقول غارودي: "فالدولة الإسرائيلية الحالية، لم تفعل سوى تكرار نفس الأعمال المقدسة التي نفذتها إسرائيل التوراتية، أبان قضائها على الكنعانيين، وهي حالياً تطبق اليوم على العرب، ما طبقته بالأمس على بني كنعان، وسكان المنطقة الآخرين"(31).‏
إن عبادة القوة هذه، كما تقدسها التوراة، قادت إلى أمرين:‏
الأول: تقديس كل مظاهر القوة والعنف، حتى صار كل ما يتعلق بالقوة مقدساً. وعليه: "فان القوة الدفاعية الإسرائيلية مقدسة، وحتى أسلحتها مقدسة"(32) .‏
وإذا قال قائل: ما لنا وللتوراة، إن "دولة إسرائيل" دولة معاصرة، فيها ديموقراطية وحقوق إنسان الخ، فإننا نقول له، عليك بدراسة تجربة بناء القوة لدى العدو الصهيوني، وتجربة استخدامها.‏
الثاني: بناء نمط من القوة النوعية وتبرير استخدامها، فعلى صعيد بناء القوة، تقدم حكومة العدو نموذجاً لدولة صغرى، تسعى بكل ما تملك لبناء قوة نوعية، تقليدية- حديثة، قادرة على الحرب في كل الجبهات، قادرة على الحشد الأقصى، والمفاجأة، وتوجيه الضربات الصاعقة. وتعتبر القيادات الصهيونية المتعاقبة، هذه من أولى مهماتها.‏
ويبرز ذلك نظرياً، في كتابات الحاخامات. وغيرهم.‏
وكتب الرابي اسرائيل هيس (Hess Y.) رابي .‏
جامعة بارايلان، في مجلة الطالب مقالة عنوانها "أمر الإبادة في التوراة" جاء في خاتمتها: "إن اليوم سيأتي، عندما ندعى جميعاً لتنفيذ الأوامر الإلهية، بتدمير العماليق"(33).‏
أمّا الرابي شلوموافنيري (SHLOMO AVINERI) فيقول: "يجب أن نعيش على هذه الأرض، حتى لو كان الثمن الحرب. وفوق ذلك، حتى لو كان هناك سلام، فان علينا أن نستثير حروب التحرير، حتى نفتتحها"(34).‏
إن الاستناد إلى القوة التي أعطى التفويض بها "الههم"، وهو ليس، ككل الآلهة، لأنه "رب الجنود" (إرميا، الاصحاح التاسع 7). وإرميا، الاصحاح 27- 16) و"هكذا قال رب الجنود" (حجي، الإصحاح الأول-7)، تفيض في كل سطور التوراة. وهي قوة قتل وتدمير وحرق بلا رادع أو عقال. ولذلك فليس لها حدود.‏
وبما أنها قوة تفويض من "الله"، كما تنص التوراة، فإنها "قوة مقدسة". فان عملية الإبادة مقدسة.أيضاً، وكل ما ينتج عن عودة "شعب إسرائيل" "شعب الله" إلى "أرض إسرائيل" حسب "الوعد الإلهي" يكون مقدساً.‏
ورغم أن كل هذه المفاهيم لا علاقة لها بالمفاهيم المتمدنة، فإنها مقبولة في "العالم المتمدن"، وتدعمها حكومة الولايات المتحدة الأميركية، قيادة القوى الرأسمالية الأكثر تطوراً. لأن الفكر الاستعماري، ما زال يحكم العالم المعاصر، ولأن القوى الاستعمارية ما زالت سائدة.‏
خاتمة:‏
على هذه المفاهيم الأربعة، تقوم الصهيونية، نظرية وممارسة. وهي مفاهيم فوق الاتجاهات والمدارس. وإذا كان المتدين يستخدمها، وهو مؤمن بها، فان اليهودي "العلماني" يستخدمها، لأنه لا يستطيع أن يقدم مشروعه بدونها، كما أنه لا يستطيع أن يجمع "قاعدة اليهود" دون التوراة. ولا يستطيع أن يوظف المسيحية الصهيونية، بلا التوراة و"شعب الله وأرض الميعاد".‏
ومفهوم "شعب إسرائيل"، وهو مفهوم خاص، متناقض مع المفاهيم المعاصرة، ضروري لحشد ملايين من اليهود، في فلسطين والأراضي العربية المجاورة، وضروري لربط يهود العالم بالمستوطنين في فلسطين والأراضي العربية المحتلة.‏
وأن يكون لليهود دولة، لابد من استخدام أسطورة "أرض الميعاد"، ليكون لهذه الدولة أرض، ولذلك فان الصهيوني المتدين، كالصهيوني العلماني، يستخدم هذه الأسطورة، ولا يستغني عنها، وإن استغنى عنها، فسيقول: أنا محتلّ، أنا مستعمر..".‏
أما المفهوم الثالث، وهو ارتباط: "دولة إسرائيل" بقوة عظمى خارجية، وهو مفهوم توراتي أيضاً.، منذ كتابه التوراة ولذلك جاء في التوراة: "وأنا في السنة الأولى لداريوس المادي، وقفت لأشدده وأقويه"(35) فإن اليهود متدينين وغير متدنين، يعتبرون هذا المفهوم أساساً لوجود الدولة، ولحمايتها. ولكن هذا المفهوم كان أساسياً، منذ أتى الفرس، لدى غزو الوطن العربي، بأول مجموعة من اليهود، وحاولوا أن يزرعوهم في فلسطين. وظل هذا الخط الخط الرئيس، في تاريخ اليهودية المعروفة، منذ الغزو الفارسي. وهو خط أصبح الخط الحاكم في الصهيونية الماصرة.‏
ويعنى أخيراً مفهوم القوة. وهو مفهوم توراتي واضح. ومع ذلك فهو يستخدم اليوم، ورغم التطور الكبير الذي حصل منذ ألفي عام، حتى اليوم، كما استخدم في التوراة. وهذا المفهوم يجمع المفهوم التوراتي، إلى مفهوم الاستعمار الاستيطاني في استخدام القوة.‏
إنّ هذه المفاهيم الخاصة بالصهيونية مفاهيم شاذة غريبة، تتناقض مع أسس الحضارة الحديثة، والعلم الحديث، ورغم ذلك، فإنها أساس الحركة الصهيونية المعاصرة، وأساس قيام: "دولة إسرائيل" المعاصرة. وهي موضع تبني الحكومات الكبرى في العالم، بما في ذلك حكومات مجلس الأمن الخمس"، وتبني كتّاب وفلاسفة وسياسيين وأحزاب ومؤسسات وأندية. وهو ما يجعلنا نقف باهتمام شديد أمام هذه المفارقة الكبرى.‏
نتساءل: كيف يحدث ذلك؟.‏
والجواب، ليس بغريب وببعيد. إذ إن المستعمرين البيض، الذين نشروا الاستعمار الاستيطاني في العالم، ما زالوا مستعمرين بيضاً، وما زالوا يؤيدون سياسة الاستعمار الاستيطاني. وتقف على رأس هذا الاتجاه حكومة الولايات المتحدة الأميركية، ممثلة الاستعمار الاستيطاني الأبيض. وهذا ما جعل السيدة أولبرايت، وزيرة خارجية الولايات المتحدة، عند زيارتها الأولى لعاصمة العدو في الأرض المحتلة، تتفاخر في خطاب لها، وهي تتحدث عما يجمع الدولتين: الولايات المتحدة الأميركية ودولة الاحتلال الصهيوني، بأنه ما يجمع الدولتين، وهو: 1- أنهما دولتا مهاجرين 1- أنهما تدافعنا عن الحرية؟‍‏
وقد قامت "دولة إسرائيل" في آخر مرحلة الاستعمار الاستيطاني، وما كان ممكناً أن تقوم في غير هذه المرحلة، ومع ذلك، فإن هذه الأطروحة، لا تلغي معنى التغطية الدينية للمشروع. لأن هذه التغطية سَهّلت القبول به ودعمه، ووفرت له تأييداً قطاعات مسيحية واسعة في "العالم الأوروبي- الأميركي"، وما زالت توفر له تأييد واسعاً في أوساط اليهود، وفي أوساط الصهيونية المسيحية.‏
وهذا يُفسر كيف فعَّلت الصهيونية والصهيونية المسيحية دور الدين في السياسة، وكيف جعلت اليهودية غطاء لمشروع استيطاني استعماري.‏
وإذا كانت الصهيونية تطرح إشكاليات جدية على الفكر السياسي الحديث والمعاصر، فإنها تطرح إشكالات جديد، على الإسلام والمسيحية، وعلى وجود المجتمعات المعاصرة.‏
الهوامش :
(1) بينت الصحافة العربية 1908- 1914 هذه الأخطار، وخاصة المفيد والمقتبس والمؤيد والكرمل (1908- 1941) وبين هذه المخاطر أعضاء مجلس المبعوثان من العرب، وخاصة الشهيد شكري العسلي (18- 1916) وروحي الخالدي ومحمد سعيد الحسيني، كما أفاضت الصحافة فيما بعد.‏
(2) - Geoffrey wheateroft: The contovesy of zion. Addison- Wesley publishing company 1996.
(3) د. أسعد رزوق: اسرائيل الكبرى. مركز الأبحاث. م.ت. ف. 1968 ص(443- 455).‏
(4) الموسوعة الفلسطينية (القسم الأول، 4 مجلدات) المجلد الثالث، ص64 .‏
(5) د. أنيس صايغ (اتراف): الفكرة الصهيونية:- النصوص الأساسية مركز الأبحاث. منظمة التحرير الفلسطينية 1970 ص10 وص9- 12.‏
(6) د. أنيس صايغ (اشراف): المرجع السابق ص21. وموسى هيس (19- 42).‏
(7) أنيس صايغ (اشراف): المرجع السابق، ص42.‏
(8) أنيس صايغ (اشراف): المرجع السابق ص100.‏
(9) الموسوعة الفلسطينية. المجلد الثالث، ص64 وروحيه غارودي: اسرائيل والصهيونية السياسية. ترجمة اللواء جبرائيل بيطار. مركز الدراسات العسكرية 1984. ص43.‏
(10) المعجم الفلسفي المختصر: مرجع سابق ص62.‏
(11) - Geoffrey wheatcroft: The controverry of Zion. Addison- wesley Pub. Co. 1996, P.P. 327.
(12) Geoffrey wheateroft: Ibid. P.P. 325.
(13) التوراة (تكوين 13-15): "لا جميع الأرض التي أنت ترى لك أعطيها ولنسلك إلى الأبد". ولتكوين 15-18):"في ذلك اليوم قطع الرب مع ابرام ميثاقاً قائلاً: لنسلك أعطي هذه الأرض من نهر مصر إلى النهر الكبير، نهر الفرات" وتكوين الاصحاح 17-8: "وأعطي لك ولنسلك من بعدك أرض غربتك، كل أرض كنعان ملكاً أبدياً".‏
(14) أنيس صايغ (إشراف): المرجع السابق، ص10-11.‏
(15) التوراة.‏
(16) توماس د.تومسون: التاريخ القديم لشعب إسرائيل دار نيسان للنشر، ص.‏
(17) الخليل بن أحمد الفراهيدي: معجم العين.‏
(18) روجيه جارودي: المرجع السابق، ص71.‏
(19) انيس صايغ (إشراف): مرجع سابق، ص36.‏
(20) د. أسعد رزوق. إسرائيل الكبرى. مركز الأبحاث، ص39- 47.‏
(21) خالد القشطيني: تكوين الصهيونية. المؤسسة العربية للدراسات والنشر 1986، ص193.‏
(22) يرجع في هذا المجال:‏
د. محمد عبد العزيز ربيع: المساعدات الأميركية لاسرائيل. مركز دراسات الوحدة .‏
ينغيني بريماكوف: الولايات المتحدة الأميركية والنزاع العربي- الصهيوني. دار الفارابي 1980.‏
(23) أنيس صايغ (إشراف): مرجع سابق، ص14.‏
(24) أنيس صايغ (إشراف): مرجع سابق، ص36.‏
(25) روجيه غارودي: إسرائيل والصهيونية السياسية، مركز الدراسات العسكرية 1984، ترجمة اللواء جبرائيل بيطار، ص60.‏
(26) د. أسعد رزوق: اسرائيل الكبرى. مركز الأبحاث، 1986، ص204- 205.‏
(27) - LENNI BRENNER: JEWSIN AMERICA TODAY. LYLE STUARTINC. And SECAUSUS, NEW JERSEY. 1986. 84.
(28) روجيه غارودي: المرجع السابق، ص67.‏
(29) د., جمال خضور: الذاكرة المثقوبة- التشريح الأناسي المعرفي لثقافة التطبيع والمشروع النهضوي العربي. اتحاد الكتاب العرب. 1995، ص25.‏
(30) روجيه غارودي: المرجع السابق، ص22.‏
(31) روجيه غارودي: المرجع السابق، ص22.‏
(32) يهشعفاط هيركابي: قرارات اسرائيل المصيرية. ترجمة منية سمارة ومحمد الظاهر. دار الكرمل للنشر والتوزيع، ص190‏
(33) يهوشفاط هركابي: المرجع السابق، ص179.‏
(34) هيوشفاط هركابي: المرجع السابق، ص191.‏
(35) التوراة: "دانيال: الاصحاح الحادي عشر-1".‏
ـــــــــــــــــ


المصدر : مجلة الفكر السياسي العدد الأول السنة الأولى شتاء 1997

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق